الشرطة تحقق في أعمال تخريبية خطيرة أدت لتوقف القطارات في شمال الراين

استئناف حركة القطارات بين دوسلدورف ودويسبورغ بعد هجمات تخريبية.. ألمانيا في مواجهة التطرف اليساري
إعادة تشغيل أحد أكثر الخطوط ازدحامًا بعد أعمال تخريب خطيرة
تمكنت شركة السكك الحديدية الألمانية من استئناف حركة القطارات على خط دوسلدورف–دويسبورغ في غرب البلاد، صباح يوم السبت 2 أغسطس/آب 2025، بعد يومين من التعطّل الذي سبّبته حرائق كابلات حيوية. وأعلنت الشركة أنّ الخط أعيد تشغيله بنجاح بعد إجراء أعمال الإصلاح والاختبارات الفنية الضرورية.
وكانت حرائق اندلعت مساء الخميس الماضي داخل قناة كابلات على المسار الشمالي-الجنوبي، ما أدى إلى توقف شبه كامل لحركة القطارات على هذا الخط الذي يُعد من أكثر خطوط السكك الحديدية ازدحامًا في ألمانيا، حيث يمر عليه أكثر من 620 قطار ركاب يوميًا.
من المسؤول؟ الشرطة ترجّح “دوافع أيديولوجية”
أشارت التحقيقات الأولية إلى أن الحرائق متعمدة وذات دوافع سياسية، حيث صرّح وزير داخلية ولاية شمال الراين-ويستفاليا، هيربرت رويل، أن السلطات تشتبه في أن “متطرفين يساريين” يقفون وراء هذا الفعل التخريبي. وأضاف خلال مؤتمر صحفي في دوسلدورف:
“بناءً على تقييم سلطاتنا، فإن من يقف وراء هذا الهجوم يحاول إعادة البلاد إلى ما قبل عصر الصناعة”.
وأشار الوزير إلى أن جماعة تُطلق على نفسها اسم “كوماندو أنجري بيردز” تبنّت المسؤولية عن الهجوم في رسالة إلكترونية لا تزال قيد التحليل من قبل الشرطة. ووفقًا للسلطات، فهذه الجماعة معروفة بتنفيذ سلسلة من أعمال التخريب المرتبطة بالحركات اليسارية المتطرفة في منطقة الراين خلال السنوات الماضية.
تفاصيل التخريب: هجوم مزدوج وأضرار جسيمة
الهجوم شمل حادثين منفصلين على بعد كيلومترين فقط من بعضهما. الأول كان حريقًا في قناة الكابلات أدى إلى تعطل إشارات المرور ومحولات الطاقة، والثاني تم اكتشافه لاحقًا خلال عمليات الفحص على نفس المسار. وقد تطلب الأمر تدخل فرق الصيانة بشكل عاجل لإصلاح الأضرار وإعادة تشغيل النظام بأكمله، وهو ما استغرق أكثر من 36 ساعة من العمل المتواصل.
تداعيات الحادث على حركة المسافرين
تسببت هذه الأعمال التخريبية في فوضى كبيرة للمسافرين، حيث تم إلغاء عشرات الرحلات وتأجيل العديد من القطارات، خصوصًا في أوقات الذروة. واشتكى الركاب من نقص المعلومات وتأخر تعويضات السفر، رغم محاولة شركة “دويتشه بان” تقديم بدائل مؤقتة عبر الحافلات.
وتُعد هذه الواقعة واحدة من أكثر العمليات التخريبية خطورة التي تم تنفيذها على شبكة القطارات في ألمانيا خلال السنوات الأخيرة، مما أثار تساؤلات واسعة حول أمن البنية التحتية الحيوية في البلاد.
التطرف اليساري في ألمانيا: هل هو في تصاعد؟
بينما تتصدر التهديدات اليمينية المتطرفة معظم النقاشات السياسية في ألمانيا، إلا أن الحركات اليسارية المتشددة لا تزال تمثل خطرًا حقيقيًا، خصوصًا في المناطق الحضرية الكبرى مثل برلين وهامبورغ ودوسلدورف.
وتقوم هذه الجماعات، التي تتبنى غالبًا شعارات مناهضة للرأسمالية والدولة، بشنّ هجمات تستهدف رموز “البنية التحتية الرأسمالية”، مثل شبكات النقل، مكاتب الأحزاب، أو مقار الشركات الخاصة.
السلطات الألمانية كانت قد أدرجت جماعات مثل “كوماندو أنجري بيردز” ضمن قائمة المراقبة الأمنية، وقد تم توثيق أكثر من 30 حادثة مرتبطة بها منذ عام 2020، تشمل إحراق سيارات وتخريب أبراج اتصالات.
ردود فعل سياسية وأمنية
طالب عدد من السياسيين في البرلمان الألماني باتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد الجماعات المتطرفة، بغض النظر عن توجهها السياسي. ودعا بعض النواب إلى زيادة عدد كاميرات المراقبة في محطات القطار ومناطق الكابلات، إضافة إلى تعزيز التعاون بين الشرطة الفيدرالية والأجهزة المحلية.
في المقابل، حذّرت بعض منظمات حقوق الإنسان من مغبة اتخاذ الحادث ذريعة لتقييد الحريات المدنية أو المراقبة الجماعية، داعين إلى الحفاظ على التوازن بين الأمن والخصوصية.
عودة الحياة إلى طبيعتها.. ولكن بحذر
مع إعادة تشغيل خط دوسلدورف–دويسبورغ صباح السبت، تنفّس المواطنون الصعداء، لكن الخوف لا يزال قائمًا من احتمال تكرار مثل هذه الهجمات في المستقبل. وأكدت شركة “دويتشه بان” أنها ستراجع إجراءات الحماية على مستوى شبكاتها، خصوصًا في النقاط الحيوية المعرضة للتخريب.
ويبقى السؤال مفتوحًا: هل ستتمكن السلطات من كبح جماح هذا النوع من التطرف قبل أن يُهدد قطاعات حيوية أخرى مثل الطاقة، الاتصالات أو المطارات؟



