وزير الخارجية الألماني يؤكد: حان وقت مساعدة السوريين في إعادة الإعمار

في تصريحات لافتة تمثل تحولاً تدريجياً في الموقف الألماني من الملف السوري، دعا وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول، الثلاثاء، إلى تمكين السوريين من إعادة بناء وطنهم، مؤكداً أنهم بحاجة إلى مساعدة ألمانيا لتحقيق ذلك.
وقال فاديفول خلال مؤتمر صحفي مشترك في برلين مع وزير الخارجية النيجيري يوسف توغار، إن السوريين يجب أن يكونوا هم من يبنون بلدهم، ولكنهم بحاجة إلى دعم ومساندة من المجتمع الدولي، وخاصة من ألمانيا، مشيراً إلى أن هذا الملف أصبح محور جهوده الدبلوماسية في الأسابيع الأخيرة.
وأضاف الوزير الألماني:
“يجب على السوريين بناء بلدهم، وبطبيعة الحال، هم بحاجة إلى مساعدتنا في هذا الصدد، وهذا تحديداً ما أعمل عليه.”
وأوضح فاديفول أن الهدف النهائي لبرلين هو ضمان عودة السوريين إلى بلادهم بشكل طوعي وآمن، مؤكداً أنه لا يوجد أي خلاف في هذا التوجه بينه وبين المستشار الألماني فريدرش ميرتس، بل هناك اتفاق كامل على أن عودة السوريين هي جزء أساسي من الحل الشامل للأزمة السورية.
زيارة مرتقبة لوزير الخارجية السوري إلى برلين
وكشف فاديفول أن وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني سيزور العاصمة الألمانية برلين قريباً دون تحديد موعد دقيق، في زيارة من المتوقع أن تتركز حول ملفات إعادة الإعمار، ورفع العقوبات، وآليات العودة الطوعية للاجئين السوريين.
وأشار الوزير الألماني إلى أن هذه الزيارة تأتي بعد أيام من جولة ميدانية أجراها في سوريا، شملت مناطق مدمرة بالكامل مثل مدينة حلب، التي وصفها بأنها “الأكثر تضرراً من الحرب”، مؤكداً أنها تعرضت لقصف مشترك من روسيا وإيران والنظام السابق في دمشق.
اللاجئون والعودة الطوعية
وفي سياق متصل، شدد فاديفول على أن بلاده تعمل بجهد لضمان عودة مزيد من اللاجئين السوريين إلى وطنهم طوعياً، لافتاً إلى أن الحكومة الألمانية ستقدّم الدعم والمساعدة اللازمة لتسهيل هذه العودة.
وقال الوزير:
“يجب تشجيع السوريين على العودة الطوعية ومنحهم فرصة حقيقية لإعادة بناء بلدهم.”
وأكد أن ألمانيا لا تسعى إلى فرض الترحيل القسري، بل إلى خلق ظروف واقعية تسمح بعودة كريمة وآمنة للسوريين، تتزامن مع إطلاق مشاريع إعادة إعمار تدريجية في الداخل السوري.
موقف المستشار ميرتس: الحرب انتهت والعودة ضرورة
في المقابل، جاءت تصريحات المستشار الألماني فريدرش ميرتس متماشية مع هذا التوجه ولكن بنبرة أكثر حزماً.
فقد قال ميرتس إن “الحرب في سوريا انتهت”، ولم يعد هناك مبرر لبقاء اللاجئين السوريين في ألمانيا، مشيراً إلى أن الحكومة ستبدأ قريباً بمناقشة آليات العودة الطوعية، وربما الإلزامية لمن يرفض العودة.
وأضاف في حديث لوكالة “رويترز”:
“الظروف الحالية لم تعد تستدعي اللجوء، ويمكننا البدء بعمليات العودة. السوريون يجب أن يشاركوا في إعادة بناء بلادهم.”
كما أكد ميرتس أنه دعا الرئيس السوري أحمد الشرع إلى زيارة ألمانيا قريباً، لبحث مستقبل العلاقات الثنائية، وملف العودة الطوعية وإعادة الإعمار.
الواقع الميداني وحجم الدمار
وفقاً لتقديرات ألمانية، تُعد مدينة حلب من أكثر المدن السورية دماراً، حيث تضررت آلاف المنازل والمصانع والبنية التحتية.
ويُقدّر الخبراء أن تكلفة إعادة إعمار سوريا قد تتجاوز 400 مليار دولار، وهي أرقام تجعل العملية معقدة وتحتاج إلى تعاون دولي واسع، إلى جانب إصلاحات سياسية وإدارية داخل البلاد.
ألف سوري فقط عادوا حتى الآن
ورغم الحديث المتزايد عن “العودة الطوعية”، تشير الإحصاءات الرسمية الألمانية إلى أن نحو ألف سوري فقط عادوا إلى بلادهم خلال النصف الأول من عام 2025، بدعم من برامج حكومية.
في المقابل، يعيش مئات الآلاف من السوريين في ألمانيا بتصاريح إقامة مؤقتة أو حماية ثانوية، وسط نقاش سياسي متزايد حول مستقبل وجودهم.
توازن بين الإنسانية والمصالح
يرى مراقبون أن ألمانيا تحاول الموازنة بين البعد الإنساني والسياسي في تعاملها مع الملف السوري.
فهي من جهة تدعو إلى دعم السوريين في إعادة إعمار بلادهم، ومن جهة أخرى تتبنّى خطاباً واضحاً حول ضرورة عودتهم بعد “انتهاء الحرب”.
ويعتقد محللون أن هذا التحول في الموقف الألماني يعكس رغبة برلين في تقليص ضغط اللجوء الداخلي، وفي الوقت نفسه الانخراط في إعادة إعمار بلد يمثل موقعاً استراتيجياً في الشرق الأوسط.
خلاصة
تصريحات فاديفول وميرتس تفتح فصلاً جديداً في العلاقات الألمانية السورية، وتؤشر إلى تحوّل من مرحلة “الإيواء والدعم الإنساني” إلى مرحلة الإعمار والمشاركة الفعلية في بناء سوريا ما بعد الحرب.
لكن الطريق ما زال طويلاً، إذ تتطلب أي عملية إعادة إعمار حقيقية توافقاً دولياً وضمانات سياسية، إلى جانب إرادة سورية داخلية توحّد الجهود وتعيد الثقة بين أبناء الوطن الواحد.



