زيارة وزير الخارجية الألماني إلى دمشق وتصريحاته حول اللاجئين السوريين: هل تقترب مرحلة العودة؟

شهدت العاصمة السورية دمشق أواخر أكتوبر 2025 زيارة رسمية لوزير الخارجية الألماني يوهان فادهفول، في خطوة غير مسبوقة منذ سنوات طويلة من القطيعة السياسية بين برلين ودمشق.
الزيارة أثارت اهتماماً واسعاً داخل ألمانيا وخارجها، خاصة بعد التصريحات التي أدلى بها الوزير الألماني بشأن ملف اللاجئين السوريين المقيمين في ألمانيا، والحديث عن إمكانية عودتهم التدريجية إلى وطنهم في المستقبل.
أهداف الزيارة ومضمون اللقاءات
جاءت الزيارة ضمن جولة إقليمية شملت عدداً من دول الشرق الأوسط، وكان الملف السوري في مقدّمة أجندة المحادثات.
وخلال لقائه مسؤولين سوريين في دمشق، أكد الوزير الألماني أن بلاده “ترى أن من مصلحة الحكومة السورية تهيئة الظروف لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم”، مشيراً إلى أن “العودة الآمنة والطوعية لا يمكن تحقيقها إلا عندما تتحسن الأوضاع المعيشية والبنية التحتية في سوريا”.
وأضاف أن ألمانيا “تتحمل التزاماً خاصاً تجاه السوريين”، مؤكداً استعداد بلاده لتقديم دعم إضافي في مجالات إعادة الإعمار والخدمات الأساسية في المناطق الآمنة، مع تخصيص حزمة مساعدات مالية جديدة تتجاوز خمسين مليون يورو لدعم المشاريع الإنسانية والتنموية في سوريا والدول المجاورة التي تستضيف لاجئين.
تصريحات الوزير حول اللاجئين السوريين
قال وزير الخارجية الألماني خلال الزيارة:
“من يريد العودة إلى بلده سنودّعه بدمعة، لكننا نتفهم تماماً رغبته. ومع ذلك، فإن الظروف الحالية تجعل العودة ممكنة فقط إلى حدّ محدود.”
وأشار إلى أن مشاهد الدمار التي رآها خلال جولته في ريف دمشق “تشبه ما شهدته ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية”، وهو ما يعكس حجم التحديات التي تواجه أي عملية لإعادة اللاجئين.
كما شدد على أن برلين لن تفرض العودة على أحد، بل ستواصل دعم اللاجئين السوريين الموجودين على أراضيها، مع التركيز على الاندماج والتعليم والتدريب المهني، إلى حين توافر ظروف العودة الآمنة.
الموقف الألماني الرسمي من العودة
تؤكد الحكومة الألمانية في أكثر من مناسبة أنها لا تخطط حالياً لإعادة اللاجئين السوريين قسرياً، خاصة في ظل التقارير الحقوقية التي تشير إلى أن الوضع الأمني في سوريا ما زال هشاً في بعض المناطق.
لكنّ تصريحات وزير الخارجية الأخيرة توحي بوجود تحول تدريجي في الرؤية الألمانية تجاه الملف السوري، خصوصاً مع تصاعد الجدل السياسي الداخلي حول أعداد اللاجئين والضغوط الاقتصادية المتزايدة في ألمانيا.
يُذكر أن عدد السوريين المسجلين رسمياً في ألمانيا يتجاوز 950 ألف شخص، يشكّلون أكبر جالية لاجئة في البلاد منذ عام 2015.
أبعاد سياسية وإنسانية للزيارة
من الجانب الألماني
تسعى ألمانيا من خلال هذه الزيارة إلى إعادة تفعيل قنوات التواصل مع دمشق في إطار أوروبي جديد، بعد سنوات من القطيعة، خصوصاً في ظل التغيرات الجيوسياسية الإقليمية.
كما تمثل الزيارة محاولة لفتح حوار مباشر حول ملفات أمنية وإنسانية مشتركة، أهمها مكافحة الهجرة غير النظامية وإعادة الإعمار.
من الجانب السوري
ترى دمشق في هذه الزيارة مؤشراً على رغبة أوروبية في التعامل الواقعي مع الأزمة السورية بعد أكثر من عقد من الصراع، إضافة إلى إمكانية تخفيف العقوبات الاقتصادية عبر التعاون في ملفات إنسانية.
لكنها في الوقت نفسه تدرك أن عودة العلاقات الكاملة ما تزال بعيدة، وأن الأولوية بالنسبة لألمانيا تبقى الملف الإنساني واللاجئين.
مستقبل اللاجئين السوريين في ألمانيا
بالنسبة للسوريين المقيمين في ألمانيا، تبقى الأسئلة مفتوحة:
- هل تمهد هذه الزيارة لسياسة جديدة تشجع على العودة الطوعية؟
- أم أنها مجرد خطوة دبلوماسية رمزية تهدف إلى تقييم الوضع الميداني؟
- وكيف ستتأثر قرارات الإقامات ولمّ الشمل في حال تطور الحوار بين برلين ودمشق؟
العديد من المراقبين يرون أن ألمانيا لن تتخذ قرارات كبيرة قبل التأكد من استقرار الأوضاع الأمنية والسياسية في سوريا، وأن ملف اللاجئين سيبقى خاضعاً للحذر والمراجعة المستمرة خلال السنوات القادمة.
زيارة وزير الخارجية الألماني إلى دمشق تمثل تحولاً دبلوماسياً لافتاً في الموقف الأوروبي من سوريا، وفتحاً لصفحة جديدة في العلاقات الثنائية بعد سنوات طويلة من الانقطاع.
لكنّ الزيارة لم تحمل وعوداً فورية بعودة اللاجئين، بل أكدت أن الطريق إلى ذلك لا يزال طويلاً ويحتاج إلى استقرار حقيقي وإعادة إعمار واسعة.
بالنسبة للاجئين السوريين في ألمانيا، تبقى الأولوية حالياً هي الاندماج والبقاء القانوني حتى تتضح معالم المرحلة المقبلة.



