محكمة ألمانية تمهّد لترحيل سوريين إلى بلادهم: لا خطر في العودة إلى دمشق واللاذقية

محكمة ألمانية تمهّد الطريق لترحيل سوريين إلى بلادهم وسط تصاعد الجدل السياسي
في تطور قضائي وسياسي لافت، قضت المحكمة الإدارية في مدينة دوسلدورف الألمانية بترحيل سوريين اثنين إلى بلدهم، معتبرة أن عودتهما لا تشكل أي خطر أمني أو إنساني، في خطوة قد تشكّل سابقة قانونية تمهّد لقرارات مماثلة خلال الأشهر المقبلة.
وأفادت وكالة الأنباء الألمانية أن المحكمة الإدارية في دوسلدورف منحت الضوء الأخضر في حالتين لترحيل سوريين، بعد أن رفضت طلبات عاجلة قدّمها الرجلان ضد قرارات صادرة عن المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF)، موضحة في بيانها أن العودة إلى سوريا لا تنطوي على مخاطر ذات صلة بعد الآن.
محافظات “آمنة نسبيًا”
وجاء في الحكم أن المحافظتين اللتين ينحدر منهما المدعيان – دمشق واللاذقية – لا تشهدان مستوى من العنف العشوائي الذي يهدد حياة أو سلامة السكان. وأضافت المحكمة أن “ما يجري من أعمال عنف في سوريا حالياً يُعدّ حالات فردية، والوضع الأمني لم يتدهور خلال العام الجاري”.
كما أشارت المحكمة إلى أن “السوريين العائدين لا يواجهون خطر الفقر المدقع”، موضحة أن هناك برامج دعم ومساعدات لإعادة الاندماج، وأنه وفقاً للمعلومات المحدثة عن سوريا “لا يمكن الحديث عن حالة طوارئ عامة”.
ولفتت المحكمة إلى أنه “ليس من الضروري أن يكون الحد الأدنى للمعيشة في سوريا مضموناً بشكل دائم”، في إشارة إلى أن مستوى المعيشة المتدني لا يشكل بحد ذاته سبباً لرفض الترحيل.
تفاصيل القضيتين
القضية تتعلق برجل سوري يبلغ من العمر 46 عاماً وابنه البالغ 26 عاماً، عملا في مجال الطهي، وكانا قد حاولا سابقاً الحصول على اللجوء في النمسا دون جدوى.
ورغم أن كليهما لم يرتكب أي مخالفات قانونية في ألمانيا، فإن المحكمة رأت أنه لا يمكن منحهما الحماية من الترحيل إلا في حالات استثنائية، وبالتالي أصبح ترحيلهما قريباً أمراً محتملاً.
سوابق قضائية مشابهة
هذا القرار ليس الأول من نوعه. ففي أيلول الماضي، أصدرت المحكمة الإدارية في كولونيا حكماً مشابهاً، معتبرة أن ليس كل سوري يحق له تلقائياً الحصول على الحماية بموجب قانون اللجوء الألماني.
وفي أيار من هذا العام، قررت المحكمة الإدارية في كارلسروه أنه لم يعد هناك سبب لتأجيل البت في طلبات لجوء السوريين، معتبرة أن الأوضاع في عدة مناطق سورية “باتت أكثر استقراراً”.
تصاعد الجدل السياسي حول العودة إلى سوريا
يأتي هذا القرار في وقتٍ تشهد فيه ألمانيا نقاشاً سياسياً محتدماً حول ملف اللاجئين السوريين وعودة البعض منهم إلى بلادهم.
فقد صرّح وزير الخارجية يوهان فاديفول، المنتمي إلى حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU)، خلال زيارته الأخيرة إلى سوريا، أنه ما زال يرى البلاد “أكثر دماراً مما كانت عليه ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945”، مشدداً على أن العودة لا يمكن أن تكون واسعة النطاق حالياً.
في المقابل، اتخذ المستشار الألماني فريدريش ميرتس موقفاً أكثر تشدداً، قائلاً:
“الحرب في سوريا انتهت، ولم يعد هناك أي سبب يمنح السوريين حق اللجوء في ألمانيا. يمكننا البدء بإجراءات الإعادة، ومن لا يعود طوعاً يمكن ترحيله بشكل قانوني.”
تحذيرات من التسرّع في الترحيل
ورغم هذه المواقف المتباينة، دعا الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير إلى الحذر في التعامل مع هذا الملف، محذراً من التسرّع في إعادة اللاجئين السوريين دون ضمان الظروف الآمنة والمستقرة في الداخل السوري.
أما المتحدث باسم الحكومة الألمانية، شتيفان كورنيليوس، فقال الأربعاء:
“نحن نتحدث عن إعادة إعمار سوريا، ونتحدث أيضاً عن كيفية تهيئة الظروف هناك لعودة منظمة للاجئين.”
وأضاف أن العودة يجب أن تكون في إطار قانوني منضبط، وبالتنسيق مع الجهات الدولية.
ترحيل محدود أم بداية لتغيير شامل؟
يرى مراقبون أن قرار محكمة دوسلدورف قد يكون نقطة تحوّل رمزية في السياسة القضائية الألمانية تجاه السوريين، خاصة مع تصاعد الضغط السياسي من الأحزاب المحافظة للمطالبة بترحيل من تعتبرهم “غير محتاجين للحماية”.
في المقابل، تعتبر منظمات حقوقية أن مثل هذه القرارات “تشكل خطراً على مبدأ الحماية الإنسانية” و”تتجاهل واقع القمع والانتهاكات في سوريا”.
ومع استمرار النقاشات داخل البرلمان الألماني، يبدو أن المرحلة المقبلة ستشهد مواجهة قانونية وسياسية جديدة بين دعاة العودة القسرية والمدافعين عن بقاء اللاجئين حتى تحسن الظروف الأمنية في بلادهم.
قرار محكمة دوسلدورف بترحيل سوريين، رغم أنه يخص حالتين فقط، يفتح الباب أمام سلسلة قرارات مشابهة محتملة. وبينما تتحدث الحكومة عن “تهيئة الظروف للعودة”، تبقى الأسئلة مفتوحة حول الضمانات الأمنية والإنسانية للعائدين، وما إذا كانت هذه الخطوة بداية لتغيير شامل في سياسة اللجوء الألمانية تجاه السوريين.



